Monday, October 10, 2011

استغاثة عاطفية



طوبتان وفردة حذاء!
تشكل استجابة في مواقف كثيرة يكون فيها الابن بحاجة إلى ضمة حنونة أو كلمة طيبة من أبويه.. وهناك استجابة أخرى يبدو فيها الجدار أكثر إحساسا واهتماما بمشاعر الابن من أبويه اللذين يبدو عليهما الفتور واللامبالاة..
على الرغم أن بعض الأمهات والآباء يولون اهتماما كبيرا بما يخص تناول أبنائهم للطعام وأخذهم قسطا كافيا من النوم وكذلك يهتمون باحتياجاتهم الأخرى من ملابس ومال وخلافه إلا أنهم في المقابل قد لا يعبأون مطلقا بمشاعر أبنائهم واحتياجاتهم العاطفية.
وهي مأساة بكل المقاييس إذا علمنا أن هناك أمهات لم يحدث أن أخذن واحدا من أبنائهن في حضنهن أو قبـّلنه ربما منذ سنوات! كما تعاني العلاقة بينهن وبين أبنائهن من افتقار شديد لكلمات الحب مثل "وحشتني"، "بحبك"، "خد بالك من نفسك"، "طمني عليك".. وغيرها.

ولا يتوقع الابن من أم كتلك أن تحضر له مثلا هدية أو شيئا كان يريده لكي تفاجئه به ... ولا أن تأتي إلى غرفته لتسأل عن أحواله وتجلس معه ليحكي لها عن ما يهمه ويسعده أو يحزنه أو يطمح إليه... ولا أن تفتح له ذراعيها إذا أتاها باكيا أو مثقلا بالهموم.
وإن حجم الفجوة بينها وبين أبنائها عظيم بحيث لا يمكن لأي شيء آخر أن يملأه أو يعوضه. فالحب المفقود لا يقدر بأي ثمن، كما أن ارتفاع مستوى المعيشة لا يعني بالضرورة ارتفاع مستوى الأمومة أو الأبوة!
وأمام هذه البلادة الشعورية عند بعض الأمهات والآباء هناك من الأبناء من يلح في طلب الحب والحنان ويستجدي المشاعر التي يحتاجها بمرارة وألم، وهناك من يأبى بكبرياء مجروح أن يأتيه الحب تسولا، فيصمت في النهاية بعد أن يجف رصيده من الدموع.

والحب فعلا لا يأتي طلبا ولا استجداء. فإنه يفقد معناه متى جاء عن سؤال. أتساءل من أي تركيب يتكون هؤلاء الآباء والأمهات الذين لا يعرفون الحب والحنان؟؟ أستنكر أن يكونوا أناسا مثلنا لدى كل منهم روح وقلب وإحساس.
الأم التي ليس لديها قدرة على إعطاء الحنان فلتبحث لنفسها عن أي وظيفة أخرى غير الأمومة، والأب أيضا.. ولكن الأم تحمل الوزر الأكبر في هذه القضية بالذات .. قضية الحنان والحب والدفء والاحتواء.
وإن هذا "الحب البيولوجي" الذي لا يعلو على إشباع الاحتياجات البيولوجية والمادية للابن هو حب حيواني في المقام الأول تماما كما يحب القطط أو الفئران أبناءهم ... فنحن- معشر البشر- لنا احتياجات أخرى أهم من الاحتياجات البيولوجية ..

ولا غرابة إذن أن تكون رسالة هذا النوع من الآباء والأمهات في الحياة وواجبهم الذي يحملونه على عاتقهم تجاه أبنائهم هو تزويجهم! وتجد لديهم استعدادا كبيرا لإقامة مشاحنات وحروب طاحنة وضغوط مكثفة على الابن حتى يتزوج، فيكونوا بذلك قد أتموا واجبهم في إشباع كل الحاجات البيولوجية لأبنائهم!
ولا غرابة أيضا أن لا يكون لدى هذا النوع من الآباء والأمهات تقديرا للمواهب الفنية أو الأدبية التي يحملها أبناءهم .. وكذلك للطموحات العلمية أو الدراسية لدى الأبناء .. فكلها أشياء فوق مستوى إدراكهم الحسي المادي البيولوجي!
ولا غرابة كذلك أن يكون هذا النوع من الآباء والأمهات هم الأكثر اعتداءً على أبنائهم لفظيا وبدنيا ... فكلها أعراض متكاملة لطريقة واحدة من التفكير والسلوك لا تنتمي لبني الإنسان.

إن لي رأيا قديما في الحب هو أن كل إنسان يضع بصمته الشخصية على حبه، ومن هنا تظهر الفروق بين حب وحب، فالعادل يحب والظالم يحب، كما أن الراقي يحب والوضيع يحب .. وهكذا شتان بين حب وحب.
وحب الآباء الغريزي لأبنائهم ينطبع بدوره بالبصمة الشخصية للأبوين كما أنه لا يشفع لهم إهمالهم لمشاعر الأبناء ولا يمثل صك غفران لهم إذا أهانوا أو جرحوا أبناءهم .. فالحب احترام واهتمام واحتواء.
هذا هو الحب الذي ينتظره أي إنسان وسيظل إلى أن يحصل عليه في حالة "استغاثة عاطفية".