ذات يوم تفتق ذهني عن حل عبقري، لماذا لا ننشئ جماعة إرهابية أو عصابة لخطف الآباء المغضوب عليهم؟ حينها بالطبع سوف يفكر كل الآباء مئة مرة قبل أن تسول لهم نفوسهم إغضاب الابن بأي سلوك كان.
:)~
وأخذت أتصور المكان الذي سنحتجز فيه الآباء بعد اختطافهم، هل نحتجزهم في "أودة الفران"؟ أم نرسلهم بطائرة إلى مثلث برمودا ونتخلص منهم إلى الأبد؟ هل لنا أن نبتكر وسائل تعذيب حديثة لهم؟ أم لا داعي إلى ذلك فإنهم في الأول وفي الآخر أهلنا برضو؟
وأخذت أتخيل كيف سيغرق الأبناء بعد ذلك في تبذير وتبديد أموال الوالدين بعد رحيلهما، وسوف يقيمون حفلا ضخما ويدعون أصدقاءهم ليشربوا كأسا (من عصير التفاح الطبيعي) بمناسبة الحرية التي حصلوا عليها أخيرا.
ثم تخيلت فجأة أن واحدا من بين الأبناء سوف يعلن وصايته على البيت وعلى إخوته بعد رحيل أبويه ويبدأ في تكرار المأساة وسيعيد التاريخ نفسه، فإذا بي أنزعج بشدة.. وعندها اكتشفت إني كان لازم أتغطى وأنا نايمه
أي ابن وهو في بداية طريقه للمطالبة بحقوقه مع والديه، لابد أن تصدر عنه بعض الأخطاء، كما سوف يتعرض لمواجهة عنيفة ورفض من قبل والديه بلا شك حتى يبدأوا في تقبل مطالبه الجديدة والاستجابة لها تدريجيا، ويبدأ هو أيضا في إيجاد وسائل أكثر نضجا للوصول لأهدافه.
ولأن المادة طبعا لا تفنى ولا يمكن بتاتا أن تستحدث من العدم، لا أتصور من الابن أن يكون فجأة مثاليا ناضجا هادئا حاسبا لكل خطواته متزنا في انفعالاته وهو يطالب والديه بحقوقه، من أين سيأتي بتلك المثالية؟ هيجيب منين؟؟
لو أنه نشأ فوجد أن والده عندما يختلف معه فإنه يعنفه ويرفع صوته عليه أو يضربه أو يستخدم سلطاته في قهره والضغط عليه، كيف سيتعلم أن يقدم مطالبه إلى والديه عن طريق الحوار الهادئ والتفاهم؟؟
وفي المقابل لا يتوقع الابن أن يستجيب له والداه منذ الوهلة الأولى، فلا ضير من صفعتين وعدة ركلات على الماشي
:)
إنه ليس تحريضا ولا موافقة مني على العنف، ولكن- بالمنطق وبالواقع وعلما بطبيعة البشر- الصدام مرحلة سوف تحدث لا محالة، إلى أن يبدأ الطرفين في فهم بعضهما البعض والبحث عن وسيلة أخرى للتواصل والتعايش السلمي!
ليس بالضرورة أن يستجيب كل الآباء لمطالب أبنائهم ببساطة وسلاسة وبمجرد أن يطالبوهم بها، هناك آباء لن يستجيبوا إلا بعد عدة زلازل وانقلابات حتى يبدأوا في استشعار أهمية أن يجدوا علاجا لهذا الصداع المزمن المدعو ابنـًا!
وجدير بالذكر أن بعض الآباء لن يكون علاجهم لهذا الصداع سوى القهر وكسر شوكة الابن وتحطيم رأسه وسحقه تماما بلا رحمة، وكأنهم يأخذون الأمر بشكل من التحدي والعداء وإثبات الذات بالتخلص من الآخر والقضاء عليه حتى ولو كان هذا الآخر هو فلذة أكبادهم كما يدعون. وهذه النوعية في الحقيقة لا يقهرها إلا الله، وربنا ع المفتري بقى.
ولكني أؤمن أن الشريحة الأكبر من الآباء سوف تستجيب مع الوقت ولو كانت استجابة نسبية، وستعالج الأمر بشيء من التنازل والحب والتقرب إلى الابن، وستجدي معها المحاولة على المدى البعيد حتى وإن لم تتحقق للابن النتيجة المثالية كما كان ينشدها... لكن يجب على الابن أن يحاول!
هذا لأن معظم الآباء في الغالب يسيئون للابن جهلا منهم أو نتيجةً لأفكار ومفاهيم خاطئة تكونت لديهم، مع التأكيد أن بعض إساءات الآباء لأبنائهم تكون بسبب الأنانية وقسوة القلب مع الأسف الشديد.
إذا حاولت أن أضع اقتراحاتٍ أو أفكارا أو وسائلَ تساعد الأبناء على التعامل مع أبوين غير متفاهمين، يجب أن أوضح إنني لا أدعي امتلاك حلول لمشاكلنا مع آبائنا، ولست أخصائية اجتماعية، وإنما كل ما بوسعي أن أقدمه هو استلهامات من تجارب بعض الأبناء التي حققت نجاحا نسبيا، وبعض الأساليب التي تساعد على التخفيف من حدة المشكلة أو على الأقل تقدم نوعا من أنواع التعويض للابن، مع التوضيح مبدئيا أن على الابن أن يلجأ إلى الله ويطلب منه المساعدة والهداية مع الأخذ بالأسباب.
أول اقتراح وأهم اقتراح في رأيي أن يكون للابن هواية أو نشاط يستحوذ على اهتمامه ويعبر فيه عن نفسه بعيدا عن دائرة مشاكله مع والديه. ذلك أن انشغال وقت الابن بأنشطة وهوايات يحبها ويجد فيها نفسه سيقلل من الوقت والاهتمام المتبقي لديه للصراع مع والديه.
كذلك فإن وجود علاقات أخرى خارج حدود المنزل الكئيبة سواء كانت مع أصدقاء أو أساتذة أو جيران- خاصة لو كان من بينهم شخص أكبر سنا وأنضج عقلا وأرحب صدرا، قادر على احتواء الابن وتعويضه نسبيا عن أبويه- سوف يساعد ذلك على تزويد الابن بالحب والاحترام وممارسة نوعا آخر من التعاملات القائمة على الحوار والتفاهم والتسامح بدلا من تلك القائمة على العض والرفس والنطح!
ثالثا: المعرفة ثم المعرفة ثم المعرفة ... على الابن أن يقرأ ويتعلم ويبحث ويبدأ في تربية نفسه بنفسه من جديد واكتساب معارف ومعلومات وخبرات تزيد من قدرته على حل مشكلاته وتوسع مداركه وتساعده على التطور والنمو أو على الأقل تملأ ذهنه بأشياء أخرى بجانب علاقته بأهله ومن ثم تقلل من مساحة معاناته واهتمامه بتلك العلاقة غير الناجحة.
وهذا الاقتراح تحديدا واسع الأهمية... لأنه سيعينك على اكتشاف كثير من أخطاء أبويك وسيعينك أيضا على التغلب على أي مزاعم غير صحيحة يدعيها الآباء أحيانا لتبرير مواقفهم أهمها استخدام الدين في إقناعك بالطاعة العمياء لهم وقهر أي محاولة لك أن تتمرد عليهم حتى وإن كنت على صواب.
بالمعرفة فقط تستطيع أن تدرك خطأ ما يزعمون وتتغلب على أي محاولة لتشويه وتخريب وإفساد عقلك، وإنك لن تتخلص من هذا الهراء لو أصريت على الاحتفاظ بجهلك.
آباؤنا هم المصدر الأول للتعلم والتعرف على الحياة، وأن تكتشف أن هذا المصدر غير أمين ولا يزودك بمعلومات صحيحة فضلا عن أن تتصدى له وتخلق أفكارك وقناعاتك الخاصة- هي مسألة ليست سهلة، لذلك اقرأ .. اقرأ ... اقرأ.
وأخيرا كلما قل اعتمادك على والديك فكريا وعاطفيا إلى أن تحقق اكتفاءا ماديا وكلما زادت مساحة استقلالك عنهما زادت فرصتك في الحصول على مساحة أكبر من الاحترام من والديك ومساحة أخرى من الإنصات والاستجابة لما تقول.
أفيدونا بتجاربكم على هذه المدونة