Thursday, September 16, 2010

أشعر بالضيـــاع


هذه ورقة أجزم أنها موجودة وسط أوراق كثير من الأبناء وفي وجداناتهم، وإن كانت هناك بعض الفروق في الصياغة..

"أشعر بالضياع... لدي قدر كبير من الأحزان وليس ثمة صدر يحتضن آلامي.. وأحمل برأسي تساؤلات عديدة بينما أبحث حولي في كل مكان عن شخص يمتلك شيئا من الإجابة فلا أجد سوى أصداء من العدم
أسير وحدي ولا أجد من يحميني ويرشدني في طريق الحياة... أفتقر لمن يفهمني أو يشعر بي..
يخيل إلي أنني لو سددت مسمعي وحاولت أن أنصت إلى أعماق أعماقي فلن أسمع سوى صراخ وبكاء واستغاثة
رأيت بمنامي ذات يوم ... طفلا صغيرا يجلس على شاطئ البحر يبني بنيانا من الرمل، بينما تباغته موجة عاتية وعنيفة بين الحين والآخر فتهدم ما بناه وتسويه بالأرض.. وكلما كبر الطفل استعمل مادة بناء أقوى شيئا فشيئا..
إلى أن صار لديه بنيانا قويا لا تقدر عليه أمواج البحر... ولكنه نظر بداخل هذا البنيان فإذا به يجد فتى يافعا يشبهه تماما ويماثله في القوة... يشتبك معه فيتشاجران ويحتدم العراك... فينهك أحدهما قوى الآخر ويستطيع أن يخرجه خارج البناء..
ليدخله بعد ذلك بمفرده ... فإذا غلبه الدخيل الذي يشبهه من حيث الشكل، يبدأ فورا في هدم وتكسير ما بناه... !!
حتى إذا استجمع قواه وعاد فأخرجه من بيته... ثم بدأ في ترميمه مرة أخرى.... فإذا بالدخيل يعود ويواصل التدمير من جديد!
استيقظت من نومي وكأنني لتوي قد اكتشفت أني أعيش وحدي منذ أكثر من عشرين عاما!!!"

لعلها قد عبرت، تلك الخاطرة، عما يدور بخلد كثير من الأبناء، وما يوجد داخلهم من صراع وإحساس بالضياع، وتشوهات تركتها في نفوسهم ممارسات هدامة من قبل الوالدين في الصغر، انتهى زمنها وبقى أثرها محفورا في تكوين الابن ملازما له في باقي حياته..

استيقظت يوما من نومي على خبر زواج شابة من بسطاء المجتمع، قررت أن تهرب من لقب "عانس" بأن تشتري زوجا مدمنا ومجرما ورد سجون بما يطمع فيه من مالها اليسير، وهي تعلم هذه الحقيقة ولكنها توافق على تلك الصفقة!!
وبعد أن انتهكها وأذلها وأهانها زوجها ومن قبله مجتمعها وأسرتها، أنجبت طفلا وكانت تغتال براءته كما اغتيلت آدميتها من قبل... أبسط ما كنت أسمعه إنها كانت تلسعه بلهب الشمعة وهو ابن ثلاث السنوات..

وبعد رحلة طويلة من الصبر على زوج مجرم ثمنا لعدم الحصول على لقب "مطلقة"، إلا إن هذه الصفقة لم تنجح هذه المرة إذ أن الثمن باهظ لم تقدر على تحمل تكاليفه الشاقة، انفصلت عن زوجها بعدما أنجبت طفلة أخرى، علمت منذ اليوم الأول لميلادها أن ضحية أخرى قد برزت إلى الوجود.

هذه المرأة المشبعة بالتعاسة والشقاء والهوان كيف لها أن تكون أما؟ إنها بحاجة إلى الرعاية من قبل أن ترعى ابنيها تعـِسـَيْ الحظ.
غير أن هذا السيناريو غير قاصر على الجهلاء وقاع المجتمع فحسب..أكاد أجد نماذج موازية من الانتهاك في الأسر ميسورة الحال ومتوسطة -وأيضا عالية- التعليم!! لكن فيما يبدو إنهم لم يأخذوا من رقي التعليم والطبقة الاجتماعية نوعا موازيا من الرقي في الفكر والشعور والإنسانية.

كلما رأيت أما أو أبا يسيئون فهم ومعاملة ابن أو ابنة، شعرت بضيق كبير وأخذت الأمر بشكل شخصي .. أحاول عبثا أن أقنع الوالدين بخطئهم غير أني أصطدم غالبا برأس حديدية وجمود وتعصب وإصرار على الاستمرار بنفس منهج التعامل ولا مبالاة بما يقع على الابن من آثار سلبية متراكمة وممتدة.. وفي المقابل يتدهور حال الابن أو الابنة يوما بعد يوم.. ويزداد ضياعا... وفي أغلب الأحوال لا يقوده تفكيره الفقير إلى الخبرة ولا معاناته الغنية بالحيرة إلى حلول سليمة لمشكلته المركبة والمتشعبة مع والديه.

أتساءل عن السر وراء هروب كثير من المراهقين والشباب إلى أي نوع من أنواع الإدمان أو الصحبة الفاسدة.. أتساءل لماذا نجد في مذكرات أو كتابات أو يوميات كثير من المراهقين والمراهقات كلاما عن الحزن والألم والمعاناة والشعور بالوحدة والتخبط؟ وهل وراء كل هذا خيط مشترك؟

أبحث عن حل جدي لتلك المشكلة، من لي بوسيلة تعين الآباء على إدراك ما يحدث من تشوهات في نفوس أبنائهم؟ وإلى أي مدى كبيرة هي عواقب ما يفعلون؟
ومن لي بوسيلة تمنع الوالدين من إيذاء الأبناء؟ من يحكم إذا كان هذا الأب أو تلك الأم صالحين للقيام بدور تربوي أم لا؟
من يضع الحد الأدنى من شروط الصلاحية الواجب توفرها في الأم والأب ... ومن ثم يمنع أو على الأقل يحجم من توسع الوالد غير المؤهل في استخدام سلطاته على الابن...؟
وما هو مصير ابن نشأ في كنف والدين غير صالحين، ومجتمع غير واعٍ، سوى التخبط والتمزق والضياع؟

Wednesday, September 1, 2010

حـ تروح النار!!

أولا وقبل كل شيء ليس لأحد من الناس أن يقرر على الله أن يدخل إنسانا الجنة أو النار أو أي مكان

مش شغلك يا أخينا

أقصى حدودنا أن نقول ربنا قال هذا حرام أو هذا حلال على حد معرفتنا

أما كيف سيحاسب الله خلقه ومن سيعاقب أو من سيرحم فهذا ليس من شأن أحد إلا الله

ماشي؟؟؟

ثانيا:

إذا كنا سنتحدث باسم الدين وما قال الله في كتابه، فيجب أن يسري هذا الكلام على كل شيء وكل فرد.. لا أن نذكر ما يوافق هوانا ونسكت عما من شأنه أن يحملنا نحن أيضا المسئولية ولا يعفينا من الحساب

احنا ح نـّـقـّـي؟

أما ما أشاهده وأعايشه كثيرا من أمر أطلق عليه اسم "العدالة العوراء" فما هو إلا نوع من البرجماتية البحتة

لا يذكر أحكام الدين إلا من زاوية واحدة تحقق له نفعا أنانيا أما باقي الجوانب فهي مسكوت عنها

فيصبح الحرام والحلال والحساب والجنة والنار خاصين بأفعال الابن فقط

أما الوالدان فهما لا يخضعان لنفس المعايير

مع إن في حالات كثيرة قد يكون الخطأ الرئيسي صدر عن أحد الوالدين وتسبب في رد فعل خاطئ أيضا من الابن

ولكن عدالة مجتمعنا العوراء لا تستطيع أن ترى إلا بعين واحدة مسلطة على الابن فقط

فهو وحده الذي يجب أن يخشى الله ويتقي غضبه وهو وحده... اللي هيروح النار

إذا كان الابن المتمرد هيروح النار ... أين سيذهب الوالد الظالم؟ ... إلى مارينا؟؟

هو ربنا مبيحاسبش حد غيرنا؟؟

أم إنه فتح الجنة والنار لحساب الآباء؟؟

والغريب أن يصل الأمر بآباء وحتى أبناء كثيرين إلى الاعتقاد أن من حق الوالدين أن يفعلا ما يحلو لهما في الأبناء!!

طيب ازاي؟؟

الله لم يصطفِ قطاعا من خلقه وجعل لهم حقوقا وامتيازات بلا سبب أو مقابل

إذا كان للآباء حقوق، فللأبناء أيضا حقوق

إذا كان عقوق الابن لأبيه لا يرضي الله، فظلم الوالدين للأبناء لن يرضيه أيضا

وإذا كان الدين يحكم على الابن ألا يتمرد على والديه فقد سبق وحكم على الوالدين ألا يكونا مستبدين ولا ظالمين

إذا كان الدين أعطى الوالدين حق إنزال العقوبة وامتلاك سلطة على الأبناء فهذا لا يعني التعسف والقهر في استخدام تلك الصلاحيات

ثم إننا لسنا في حاجة أصلا لنص حرفي من الدين حتى نفهم أن رفض الظلم والكيل بمكيالين شيء مشروع ومباح

حلاال .. حلااال ... حلاااال

فهذه من البدهيات والمسلمات الفطرية والمنطقية


وبلغة الواقع

إذا رفعت سلاح الدين باستمرار لقمع الابن من جهة ودعم الوالد ظالما أو مظلوما من جهة أخرى

فسيؤدي ذلك إلى تراكم الغضب والغليان داخل الابن حتى ينفجر ضاربا عرض الحائط بكل الأعراف الاجتماعية والأحكام الدينية اللذين لم ينصفاه من والده

وإذا تمادينا في الإصرار على هذه القناعة الغير عادلة فلن نصل بالأبناء إلا إلى إحدى الحسنيين:

الإلحاد أو الانتحار

:))

من منا يمتلك الشجاعة الكافية كي يواجه الوالدين ويراجعهما بدلا من اللجوء دائما للخيار الأسهل وهو لوم الابن وتوبيخه؟

من منا يمتلك البصيرة والفطرة السليمة حتى يفرق بين تمرد الابن بسبب الجحود وتمرد الابن كرد فعل على الظلم؟

وعليه فإن طريقة معالجة الأمر يجب أن تختلف

هل نستطيع أن نتخلص من التعصب والذاتية ونلزم الحياد والعدل؟

لماذا نضع كل الأبناء في سلة واحدة ونجعل القضايا جميعها محسومة لصالح الوالدين دائما وضد الأبناء غيابيا؟

ونساوي الابن المظلوم بالظالم مع إنهم لا يستوون عند الله