Friday, October 1, 2010

هل تحترم ابنك؟

عندما تدخل إلى المنزل - أيها الأب أو أيتها الأم - أو عندما تقترب من غرفة أحد الأبناء، كيف يكون شعور ابنك؟ هل سألت نفسك هذا السؤال من قبل؟ بعض الأبناء يشعر بالضيق.. بعضهم يشعر بالخوف.. البعض يشعر بالتهديد والخطر.. والبعض يشعر بالإنزعاج فقد كانت الأوضاع مستقرة وكان مطمئن النفس صافي الذهن قبل أن يفقد توًا هدوءه لسبب معروف.

إنها مشاعر.. لغة المشاعر.. وهي لغة لا أطمح أن يستوعبها كثيرون، لأنهم لم يتعلموا أبجدياتها بل على الأرجح إنهم لم يحاولوا ذلك.. كما لا أطمع أن يطرح الآباء على أنفسهم هذا السؤال أصلا - إلا من رحم ربي. لذلك لن أندهش إذا لم يفهم كلامي -في هذا المقال وفي هذا المقال بالذات- كثير من الآباء، ولذلك أيضا ومنذ البدء أعلن أن ما سأقوله "كلام مش هتفهموه"ـ

لو حدثت والديك عن أهمية تقدير رأيك (رأي إيه يا أبو رأي؟) أو عن احترام شخصيتك (جاك وجع في شخصيتك) أو عن مراعاة مشاعرك (هو انت بتحس ولا عندك دم؟) أتحداك أن تحتفظ بكرامتك في حوالي نصف الحالات تقريبا كما أتحداك أن يستوعبا كلامك أصلا في الغالبية العظمي منها.

ولو أردت أن تصل بهذا المشهد الهزلي إلى أقصى مداه استعمل أمامهما كلمات مثل: "ضرورة الحوار"، و"احترام الخصوصية"، و "ثقافة الاختلاف"، و"مشاركة الاهتمامات"، و"حرية التعبير".. وابقى احكي لي إيه اللى حصلك بعدها

الاحترام معنى غائب غيابا كبيرا من على خريطة أولويات الآباء. فكثير منهم يجزلون العطاء المادي للأبناء لكن يصحبون هذا العطاء بجفاء في العواطف، أو قسوة في التعامل أو جرح للمشاعر، ثم ينعتون الابن بالجاحد عندما يشكو سوء المعاملة ويغضب من الإساءة المعنوية.. وفقا للمثل الشعبي "لاقيني ولا تغديني"ـ

ولكن يراه الوالدان "متدلع" وفي رواية أخرى "مصروم" وناكر للجميل ولم يقدر ما يقدم والداه وما يفعلان من أجله، وإنه لا يعاني إلا من الرفاهية والترف والتدليل الذي أفسده... وليس له علاج إلا الحرمان. ويتراءى لهما أنهما لو كانا قد حرما هذا العاق من هذه الماديات كما حُرم أبناء غيره لانصلح حاله ولكان أكثر برا لهما!!

الأبناء عادة يتحدثون في وادٍ، بينما يتحدث الآباء في وادٍ آخر. يتحدث الابن عن حقوقه المعنوية واحترام مشاعره واحترام رأيه وحريته وكرامته ويغضب من الإساءة لأي من هذه الأمور -سواء بقصد أو بغير قصد- ومعه كل الحق في ذلك.. لأن الاحترام ملمح من ملامح إنسانيته. بينما يتحدث الآباء عن جدهم وتعبهم ليل نهار من أجل توفير احتياجات الابن الأساسية.. من غذاء وكساء ومأوى ... وأمور في مجملها مادية بحتة، ومعهم بعض الحق في ذلك فعلى الابن أن يقدر سهرهم على راحته.

ويرى الوالدان أن الابن لا يقدم مقابلا -ماديا أيضا- لكل ما يقدم له الوالدين من عطاء [[مادي]]، بل ويقارنان أيضا بين ما كان يقدمه لهما آباؤهما في السابق وبين ما يقدمان لأبنائهما الآن، في مقابل زيادة قدرة الأبناء في هذا العصر على مناقشة ومناطحة ومعارضة الآباء ما لم يكن سابقا- في علاقة آبائنا بأجدادنا- أكثر من مجرد خيال علمي.

وعليه يزداد اقتناع الآباء أنهم يعطون أكثر مما أخذوا ويأخذون أقل مما أعطوا. وتتفاعل أفكارهم قاصرة الرؤية حتى تصل إلى نتيجة مفادها أنهم دللونا وتركوا لنا الحبل على الغارب! كل هذا وقد تناسوا تماما أن حقوق الابن على والديه ليست فقط حقوقا مادية تنحصر في تلك الاحتياجات التي يشترك فيها الإنسان والحيوان على حد سواء.

لذا فعندما تتحدث -كابن- عن ثقتك في نفسك التي يهدمها والدك يوميا بكلامه السلبي وتوبيخه وتجريحه وهجومه على ذاتك وعدم احترامه لك، يرد والدك بأنك لا تنشغل إلا بالتفاهات. وكذلك الأمر إذا تحدثت عن قيم ذوقية أخرى بدءا من طرق باب غرفتك قبل اقتحامها فجأة وكأنك توًا قد تحولت لمدمن بانجو يقع في قبضة أحد رجال الشرطة!! ---ـ

مرورا باستخدام لغة آدمية رقيقة في توجيه طلب أو خطاب إليك من أحد والديك، فبدلا من جملة "انت مبتردش ليه يا حيوان؟" لم لا تكون "ألم تسمعني يا فلان؟" مع استخدام اسمك الذي ربما لا تكاد تسمعه إلا في الأعياد والمناسبات الخاصة حيث تم استبداله في الغالب بأحد أسماء الحيوانات، أو بدلا من جملة "إياك أن تتأخري خارج البيت يا بنت الـ(....)!!" تفضل جملة "أخاف عليك من البقاء خارج البيت لساعة متأخرة يا ابنتي" ---ـ

وانتهاء بعدم انتهاك كرامتك سواء بالكلام أو بالاعتداء البدني أمام الناس أو حتى على انفراد. كل هذا في نظر كثير من الآباء تفاهات.. ولا أدرى ماذا تبقى إذن -لدى هؤلاء الآباء- لم يصنف ضمن التفاهات؟

الأهل من هذا النوع غير قادرين على استيعاب لغة المشاعر والقيم الإنسانية الأرقى، كما إنهم لا يمكن أن يدفعوا أبناءهم للنضج والنمو الشخصي ولا أن يشجعوهم على النبوغ في موهبة أو المشاركة في بناء مجتمعهم أو الانشغال بهموم وطنهم أو ممارسة أي هواية بناءة. ويزداد الأمر غرابة إذا كان هؤلاء الأهل- على الرغم من كل ذلك- من المتعلمين!

المشكلة الكبرى أن معظمنا –أيا معشر الأبناء- يتحول تدريجيا إلى نسخة طبق الأصل من أبويه، وبعد عقدين من الآن في الغالب سيردد ابنه نفس هذا الكلام عنه.

آباؤنا يحتاجون لدروس في الحب ودروس في الحنان ودروس في المعاملات الصالحة للاستهلاك الآدمي، ودورات مكثفة في التربية والحوار واحترام الذات. وعن تجارب كثيرة- شخصية وغير شخصية- صدقوني كثير من الآباء لا يفهمون هذا الكلام أصلا!! والكلام معهم بهذا الصدد ومحاولة إقناعهم ما هو إلا ضرب من ضروب [[العبــــــث]] لا طائل منه!ـ

لا أجد ختاما أفضل من أن أسوق موقفا طريفا لأحد الآباء يقول ((في بداية حياتي عندما تزوجت، غيـّر والدي أسلوبه في الخطاب معي فقد صرت الآن مسئولا وعلى وشك أن أصير أبا، فحدثني في الهاتف يدعو لي بالفلاح والتوفيق في حياتي وناداني قائلا (يا أستاذ فلان)، قلقت بشدة وقلت له: "ارض عني يا والدي! ... هل أنت غاضب علي؟؟ لماذا تغيرت في كلامك معي؟"))

وحتى أزيل الدهشة عن القارئ فإن والده كان دائما ما يناديه بقوله "يابن الكلب"، لدرجة أن صارت أذنه أكثر ألفة مع هذا اللقب، وأكثر نفورا عند سماع اسمه الحقيقي!

8 comments:

sakayar said...

أولاً : أحييكي على أسلوبك الأدبي في الموضوع بجد
:)
ثانياً : إن الله يرحم من عباده الرحماء ... أظن لو استوعبها الآباء لتغيّرت نظرتهم وطريقتهم في التعامل إلى أبعد حد ... ولكنهم يفتقدون هذا المعنى
كمان أعتقد إنه عيب تربية ... بمعنى .. إن هؤلاء الآباء اتربوا بنفس الطريقة فلما وجدوا أنفسهم خارج البيت ناجحين في العمل أو في استحسان زوجهم سواء زوج أو زوجة ظنوا إن هذه الطريقة هي اللي الطريقة المثالية وهي اللي هتخرجك (راجل) أو هتخرجك زوجة
أد الدنيا ... وهكذا فأصبح مرض وراثي
بحييكي مرة تانية على الموضوع هدى هانم
:)
وأتمنى أشوف كتاب قريباً ... وياريت منشورات بقى تتوزع على البيوت بما إنها ثورة
:)

ثورة said...

SAKAYAR

وإنت مش ناوي توزع منشورات عندك في الإمارات؟؟
ونتقابل في السجن الدولي بقى ههههه
:))
تعريف النجاح لو كان قاصر على تقدم مهني وقبول اجتماعي فهو تعريف أكيد مشوهة وناقص
و ده السبب إن أكثر الناس فشلا في الحياة ممكن يبقوا شايفين نفسهم عظماء أحيانا
لأنهم اعتمدوا في تقييمهم لأنفسهم على رأي الغوغاء

شكرا ليك خالد وديما كده رافع معدنياتي يا رب
:))

Anonymous said...

Again, an insightful and beautifully penned essay...
AYESH

Anonymous said...

لقدر أرسلت لك رسالة على البريد الإلكتروني الخاص بك .. أرجو سرعة الرد

مروة أشرف

ثورة said...

Ayesh

شكرا لتعليقك
رأيك بيهمني جدا ديما وانت عارف كده
:)

ثورة said...

مروة أشرف

تم الرد يا أستاذة مروة

basmayman said...

ثورتي

انا متفق معاك في نقط كتير, بس فيه حاجه لفتت انتبهاهي مش ذكرتيه , هو ان اهلنا الاعزاء لما بيطلبوا منا مقابل فهو ليس بمادي هما عاوزنا نحترمهم ونقدرهم ونشكرهم وده كله مشاعر ومعنويات , لذا علينا نحاول نقرب الفكره بينا وبينهم ان اللى احنا برضه عاوزينه مشاعر عظيمة بدونها هنكون جماد مش حتي حيوان
وانا معاكي في ثورتك يا حبي
وخلينا نكون الابهات والامهات اللى كنا نتمناهم لينا ونكون الابناء اللى ربنا امرنا نكون عليهم

جميله بو حريد سابقا :)

ثورة said...

أبو حريد

أنا بقى متفقة معاكي في كل حاجه هههههه
اللى عاوز من ابنه احترام وتقدير وشكر لازم يحترم ابنه ويعامله حلو عشان ياخد منه ده ... مينفعش تطلب حب وانت بتقدم عنف وقسوة في أغلب الأوقات
الاحترام يكون متبادل
والحب يكون متبادل
وأنا ذكرت في التدوينة بتاعة في بيتنا قوانين وضعية
إن القانون اللى بيحطه الأهل في البيت بينعكس على معاملة الأبناء ليهم
لو قانون البيت هو الاحترام والحب والتسامح هيكون ده نموذج معاملة الأبناء

في انتظار عودتك للتدوين يا بسبوس
;)