Tuesday, February 21, 2012

خبرة السنين المظلمة!! ـ

كُلـّنا أو جُلـّنا قد صُمّـت آذاننا بأن خبرة آبائنا في الحياة هي الصحيحة، وأننا سَنَعِي ذلك متأخرا.. وأننا نرفض ما يسمونه بـ"نصائحهم" لأننا طائشون! وسوف ندرك ذلك بعد فوات الأوان..
ويوم تسوَدّ الدنيا في أعيننا وتضيق بنا السبل ونفقد كل الحيل.. يوم لا ينفع الندم و لا يغني مال ولا بنون!..
أتعجب من هذا الكلام ويبدو لي وكأن آباءنا يتمنون لنا هذا المستقبل المظلم لمجرد أننا نرفض آراءهم!!!!!!

كيف تدعي الأم أو يدعي الأب أن كلاهما لديه خبرة في الحياة وأن الحياة علمته وأنه.. وأنه.. حتى ليكاد المرء يتصور أن والده أو والدته أحد أنبياء زمانهم، مع أن أحدا منهم لا يحتمل أن يكون لابنه رأيا مخالفا أو أن يرغب في أن يجرب بنفسه أو يعتنق رؤية مختلفة؟
بَيْد أنهم بهذا الشكل يفتقدون لأهم خبرة: القدرة على استيعاب واحتواء تطلعات أبنائهم، لكن لا غرابة... فالتناقض آفة الجنس البشري ..

ومن المستفز جدا أن بعض الآباء يأخذون رفض أولادهم لنصائحهم التي هي في الواقع أوامر، يأخذ الآباء هذا الرفض على كرامتهم! ما يؤدي بهم إلى ردود فعل تخلو بشكل سافر من مشاعر الأمومة والأبوة المحبة والمتسامحة والمضحية.
بل تتسم ردود الفعل بالأنانية وتمنّي الفشل للابن حتى لا يَثبُت أن وجهة نظره كانت أصح من أبويه... وأحيانا نجد لدى الوالد نوعا من الكبر والإنكار لو نجح الابن وأصاب في رأيه.. أو نجد لديه "شماتة!!" لو فشل الابن وجانبه التوفيق ...

وإذا تكلمنا عن الخبرة.. ربما علينا أن نسأل ما هي الخبرة؟؟؟ وهل آباؤنا فعلا لديهم خبرة؟؟ أتمنى ذلك والله... ليتهم يعلمونا من خبراتهم وحكمتهم وعلمهم الوفير..
علمونا فنحن ظمآى.. نبوس أيديكم أعطونا من خبراتكم... نحتاج لمن يعلمنا كيف نختلف؟.. كيف نفكر؟؟.. كيف نتحاور؟؟.. كيف نتخذ القرارات؟.. كيف نحل المشكلات؟ كيف نواجه مخاوفنا؟
كيف نكون الأصدقاء؟ كيف نحقق ذواتنا؟ كيف نختار شركاء حياتنا؟

أليست هذه هي الخبرات؟؟ وما الخبرة إذن إن لم تكن هي النضج والحكمة؟! فهل حقا آباؤنا ناضجون؟
وكيف يمكن لغير الناضج أن يربي طفلا؟ وما نتيجة ذلك سوى جيل "مترباش" كما قلت في مقال قديم، كان الإرهاص الأول للثورة على الآباء.. جيل يلهث وراء محاضرات التنمية البشرية التي لا تغني ولا تثمن من جوع.
ومع احترامي لكل محاضري التنمية البشرية وعلى رأسهم رائد المجال دكتور إبراهيم الفقي رحمه الله.. فالناس لا يغيّرهم الحديث عن الفضائل، إنما يحتاجون لمن يدرّب نفوسهم عليها.
وفراغ القدوة الذي خلـّفه أبوين غير ناضجين لا يمكن ملؤه بالمحاضرات والخطب والكلام... وهذا ما يلمسه كثير من مرتادي هذه المحاضرات أنفسهم؛ أن الناس لا يتغيرون هكذا.

يبدو لي أن الخبرة ليست مجرد رصيدٍ في بنك العمر، فهذا الرصيد لا يُعبّر بالضرورة عن، ولا يتوازي مع أرصدة النضج والحكمة والأخلاق. يبدو أن الناس جميعهم يمرون بتجارب في الحياة، إلا أن قليلا منهم من يكتسب فعلا خبرات إيجابية من هذه التجارب.
والواقع أن من بين آبائنا وأمهاتنا من لديهم خبرات في الحياة والزواج والعمل والعلاقات والتربية وخلافه.. لا نجد لها وصفا سوى أنها مزرية ومؤسفة! ومصير من يتبعها أن يكتشف عاجلا أو آجلا كم كان مغفلاً كبيراً!

كما يبدو على الصعيد الآخر أن الأبناء في موقف صعب.. فتحت وطأة استبداد الأبوين يَنْصَبّ كل تفكير الأبناء على التخلص من سلطة الأبوين غير العادلة وعندما ينجحون في ذلك، يجدون أنفسهم فجأة في مهب الريح أو عرض البحر..
لا يعرفون أين موقعهم ولا إلى أين يتجهون.. مما يشعرهم بالخوف والضياع.. وقد يشكـّون في هذه اللحظة أن الوالدين كانا على حق وأن ما زعماه من أنهم خبراء وحكماء زمانهم كان صحيحا... وهو ليس بالضرورة كذلك.
هذا المأزق الصعب يحدث لأن الحصول على الخبرة الحقيقية والتوجيه والإرشاد القائم على وعي وبصيرة وتفهّم هو احتياج مهم عند الأبناء جميعا.

أنا لا أنصح الأبناء بالرضوخ لتحكم الأبوين وسلطتهم... فقط لنحاول أن نبصر جيدا أين نقف وإلى أين نتجه.. قبل إعلان العصيان.. أو ربما احتجنا لوظيفة اجتماعية جديدة: حكيم عام ... أو مُرَبّي عام ... لكنني أخشى أن نضطر للقيام بثورة عليه هو الآخر !!
إذن الكتب هي الحل.. فلنجأ إليها لتعيننا على تصحيح الخبرات المشوهة...

والحق أن بين الناس أشخاصا مربّين بالفطرة يقومون بعمليات تعديل وضبط وتصحيح لأفكار وسلوكيات وخبرات من حولهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا،
يفعلون هذا في صمت وتواضع ودون أن يدّعوا أنهم حكماء زمانهم أو أنبياء عصرهم... وقد لا يقدّر الناس هذا ولا يَرَونه للأسف الشديد... والسبب في رأيي أن بعضنا لا يدرك المعنى الحقيقي لكلمة: "خبرة"..
هذا النوع من العمى الذي يفقدنا القدرة على التمييز بين الخبرة الحقيقية وإدعاء الخبرة هو ما يُعين كثيراً من الآباء على التمسك بما هم عليه من ضلال وخطإ..
ويساعدهم على ذلك التابوهات المحفوظة التي تقدس الأبوين وتنصرهم سواء كانوا ظالمين أو مظلومين.
الله المستعان.

No comments: